كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} وهو التأخير. وتقول أَنْسَأْتُهُ الدَّيْنَ إِذَا جعلته اليه يؤخره هو. و: نَسَأْتُ عَنْهُ دَيْنَهُ أي: أَخَرْتُهُ عَنْهُ.
وانما قلت: أَنْسَأْتُهُ الدَّيْنَ لأَنَّكَ تقول: جعلتْه لَهُ يؤَخِّرُهُ ونَسَأْتُ عَنْهُ دَيْنَه فَأَنَا أنَّسَؤُهُ أي: أُوَخِّرُهُ. وكذلك النَّساءُ في العُمْر يقال: مَنْ سَرَّهُ النَّساءُ في العُمُر، ويقال عِرْق النَّسَا غير مهموز.
وقال: {لِّيُوَاطِئُواْ} لانَهَّا من وَاطَأْتُ ومثله (هِيَ أَشَدُّ وِطاءً) أي: مواطأة، وهي المواتاة وبعضهم قال (وَطْءا) أَي: قياما.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ}
وقال: {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} لأنَّهُ مِن تَثاقَلْتُمْ فَأَدغم التاء في الثاء فسكنت فأحدث لها ألِفًا ليصل أَلىَ الكلامِ بها.
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
وقال: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} لانه لم يحمله على (جَعَلَ) وحمله على الابتداء.
وقال: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} وكذلك (ثالثُ ثلاثةٍ) وهو كلام العرب. وقد يجوز ثاني واحدٍ وثالثُ اثْنَينِ وفي كتابالله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} وقال: {ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} و{خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} و{سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}.
{انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
وقال: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا} في هذه الحال. ان شئت {انفِروا} في لغة من قال يَنْفِر وان شئت (انْفُرُوا).
{عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}
وقال: {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} لأَنَّه استفهام أي: لأَيِّ شيء.
{وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ الله انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ}
وقال: {ولكن كَرِهَ الله انبِعَاثَهُمْ} جعله من بَعَثْتُهُ فانْبَعَثَ وسمعت من العرب من يقول: لَوْ دُعِينا لانْدَعَيْنا. وتقول: انْبَعَثَ انَبِعاثًا أي: بَعَثْتُهُ فانْبَعَثَ انْبِعاثًا وتقول: انْقُطِعَ بِهِ اذا تكلم فانقطع به ولا تقول قُطِعَ بِهِ.
{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئًا أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}
وقال: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئًا أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا} لانه من اِدَّخَلَ يَدَّخِلُ وقال بعضهم {مَدْخَلا} جعله من دَخَلَ يَدْخُل وهي فيما أعلم أردأ الوجهين. ويذكرون أنها في قراءة أبي {مُنْدَخَلًا} أراد شيئًا بعد شيء. وانما قال: {مُغَارَاتٍ} لانها من أَغَارَ فالمكان مُغارٌ قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الحادي والسبعون بعد المائة]:
الحمدُ للهِ مُمْسانَا وَمُصْبَحَنا ** بِالخَيْرِ صَبْحَنا رَبِّي وَمَسَّانا

لأنَّها من أَمْسَى وأَصْبَحَ واذا وقفت على مَلْجَأ قلت مَلْجَأَا لأنه نصب منون فتقف بالالف نحو قولك رأيتُ زيدَا.
{وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}
وقال: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ} وقال بعضهم {يَلْمُزُكَ}.
{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
وقال: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} أي: هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ لا أُذُنُ شرٍّ. وقال بعضهم {أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ} والاولى أحسنهما لأنك لو قلت هو أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُم لم يكن في حسن هو أَذُنُ خَيْرٍ لَكُم وهذا جائز على ان تجعل {لكم} صفة الأُذُنْ.
وقال: {وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} أي: وهو رحمة.
وقال: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: يُصدقهم كا تقول للرجل أَنَا ما يُؤمِنُ لي بأَنْ أَقُولَ كذا وكذا أي: ما يصدقني.
{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ}
وقال: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} وسَيَحْلِفُوَن بالله لَكُمِ لِيُرْضُوكُمْ وَلا أَعلمه إلاَّ على قوله: {لِيُرضُوَكُم} كما قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المائتين]:
إِذا قُلْتُ قَدْنِي قالَ باللهِ حِلْفَةً ** لَتُغِنِيَ عَنّي ذا أَنائِكَ أَجْمَعا

أي: لَتُغْنِيَنَّ عني. وهو نحو: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} أي: ولتُصْغِيَنَّ.
{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذلك الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}
وقال: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ} فكسر الألف لأن الفاء التي هي جواب المجازاة ما بعدها مستأتف.
{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}
وقال: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ} أي: مُخالَفَةً. وقال بعضهم {خَلْفَ} و{خِلافَ} أصوبهما لانهم خالفوا مثل قَاتَلُوا قِتالا ولأنه مصدر خَالَفُوا.
{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
وقال: {وَجَاءَ الْمُعَذِرُونَ} خفيفة لانها من اَعْذَرُوا وقال بعضهم {المُعَذِّرُونَ} ثقيلة يريد: المُعْتَذرُونَ ولكنه ادغم التاء في الذال كما قال: {يَخِصِّمُونَ} وبها نقرأ. وقد يكون {المُعْذِرُون} بكسر العين لاجتماع الساكنين وانما فتح لانه حول فتحة التاء عليها. وقد يكون ان تضم العين تتبعها الميم وهذا مثل (المُرْدِفِين).
{وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
وقال: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} كما تقول: هذا رَجُل السَّوْءِ وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والعشرون بعد المائتين]:
وَكُنْتَ كَذِئْبِ السَّوْءِ لَمَّا رَأَى دَمًا ** بِصاحِبِه يَوْمًا أَحارَ عَلَى الدَّمِ

وقد قرئت: {دائِرَةُ السُّوءِ} وذا ضعيف لأنك اذا قلت كانت عليهم دائرة السُوءِ كان أحسن من رجل السَوْءِ الا ترى انك تقول: كانت عليهم دائرة الهزيمة لأَنَّ الرجل لا يضاف إلى السُّوء كما يضاف هذا لأن هذا يفسر به الخير والشر كما نقول: سلكتُ طريقَ الشرَ وتركتُ طريقَ الخَيْر.
{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذلك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
وقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} وقال بعضهم {والأَنْصارُ} رفع عطفه على قوله: {والسَّابِقُونَ} والوجه هو الجر لأن السابقين الاولين كانوا من الفريقين جميعا.
{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
وقال: {خَلَطُواْ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} فيجوز في العربية ان تكون بآخرَ كما تقول: اِسْتَوىَ الماءُ والخَشَبَةَ أي: بالخَشَبَةِ وخَلَطْتُ الماءَ واللَّبَنَ أي بِالَّلبَنِ.
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فقوله: {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} على الابتداء وان شئت جعلته من صفة الصدقة ثم جئت بها توكيدًا. وكذلك {تُطَهِّرُهُم}.
{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
وقال: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ} لأنه من أَرْجَأْتُ وقال بعضهم {مُرْجَوْنَ} في لغة من قال (أَرْجَيْتُ).
{لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}
وقال: {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ} يريد: مُنْذُ أوَّلِ يَوْمٍ لأن من العرب من يقول لَمْ أَرَهُ مِنْ يَوْمِ كَذا يريد مُنْذُ أوَّلِ يَوْمِ يريد به مِنْ أَوَّلِ الأَيَّامِ كقولك لَقِيتُ كُلَّ رَجُلٍ تريد به كُلَّ الرِجّال.
{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
وقال: {هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ} فذكروا أنه من يَهُورُ وهو مقلوب وأصله هائِرٌ ولكن قلب مثل ما قلب شاكِ السِّلاح وانما هو شائِك.
{لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
وقال: {رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ} و{تَقَطَّعَ} في قول بعضهم وكل حسن.
{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
وقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ...} إلى رأس الاية ثم فسر {وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} لأن قوله- والله اعلم- {التائبون} انما هو تفسير لقوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ} [11] ثم فسر فقال هُمْ التَّائِبُونَ.
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}
ثم قال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} يقول وما كانَ لَهُمْ استِغْفارٌ لِلْمَشْرِكِينَ وقال: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ}. أي ما كان لها الايمان إلا بإذن الله.
{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}
وقال: {إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} يريد إلاَّ مِنْ بَعْدِ مَوْعِدَةٍ كما تقول: ما كان هذا الشرُّ إلاَّ عَنْ قَوْلٍ كانَ بَيَنْكَمُا أي: عن ذلك صار.
{لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
وقال: {مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ} وقال بعضهم {تَزِيغُ} جعل في {كادَ} و(كادَت) اسما مضمرا ورفع القلوب على {تَزِيغُ} وان شئت رفعتها على (كادَ) وجعلت {تَزيغُ} حالا وان شئت جعلته مشبها بكانَ فأضمرت في {كادَ} اسما وجعلت {تَزِيغُ قلوبُ} في موضع الخبر.
{وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
وقال: {وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ} وهي هكذا اذا وقفت عليها ولا تقول (ملجأ) لانه ليس هاهنا نون. ألا ترى انك لو وقفت على لا خَوْفَ لم تلحق الفا. وأمّا {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأَ} فالوقف عليه بالالف لأن النصب فيه منون.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
وقال: {وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} وبها نقرأ وقال بعضهم {غُلْظَةَ} وهما لغتان.
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَاذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}
وقال: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَاذِهِ إِيمَانًا} فأيّ مرفوع بالابتداء لسقوط الفعل على الهاء.
فإن قلت: ألا تضمر في أوله فعلا كما قال: {أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا} فلأن قبل بشر حرف استفهام وهو اولى بالفعل و(أيّ) استغنى به عن حرف الاستفهام فلم يقع قبله شيء هو اولى بالفعل فصارت مثل قولك زيدٌ ضَرْبتُه. ومن نصب زيدًا ضربُته في الخبر نصب أيّ هاهنا.
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ الله قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ}
وقال: {نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ} كأنه قال قالَ بعضُهم لبَعْضٍ لأن نظرهم في هذا المكان كان إيماء أو شبيها به، والله أعلم.
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
وقال: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} جعل (ما) اسما و(عَنِتُّم) من صلته. اهـ.